فصل: الباب الخامس في عقود الصلح الواقعة بين ملكين مسلمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الباب الخامس من المقالة التاسعة في عقود الصلح الواقعة بين ملكين مسلمين

وفيه فصلان

  الفصل الأول في أصول تعتمد في ذلك

اعلم أن الأصل في ذلك ما ذكره أصحاب السير وأهل التاريخ أنه لما وقع الحرب بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبين معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه في صفين في سنة سبع وثلاثين من الهجرة - توافقا على أن يقيما حكمين بينهما ويعملا بما يتفقان عليه‏.‏

فأقام أمير المؤمنين عليّ أبا موسى الأشعري حكماً عنه وأقام معاوية عمرو بن العاص حكماً عنه فاتفق الحكمان على أن يكتب بينهما كتاب بعقد الصلح واجتمعا عند علي رضي الله عنه وكتب كتاب القضية بينهما بحضرته فكتب فيه بعد البسملة‏:‏ هذا ما تقاضى أمير المؤمنين علي فقال عمرو‏:‏ هو أميركم أما أميرنا فلا‏.‏

فقال ‏"‏ الأحنف‏:‏ لا بعضهم بعضا فأبى ذلك علي ملياً من النهار‏.‏

ثم إن الأشعث ‏"‏ بن قيس قال‏:‏ أمح اسم أمير المؤمنين فأجاب علي ومحاه‏.‏

ثم قال علي‏:‏ الله أكبر‏!‏ سنة بسنة ‏"‏ ومثل بمثل ‏"‏‏.‏

والله إني لكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت‏:‏ محمد رسول الله فقالوا‏:‏ لست برسول الله ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحوه فقلت‏:‏ لا أستطيع أن أفعل‏!‏ فقال إذن فأري نه فأريته فمحاه بيده وقال‏:‏ ‏"‏ إنك ستدعى إلى مثلها فتجيب ‏"‏‏.‏

وهذه نسخة كتاب القضية بين أمير المؤمنين علي وبين معاوية فيما رواه أبو عبد الله الحسين ابن نصر بن مزاحم المنقري في ‏"‏ كتاب صفين والحكمين ‏"‏ بسنده إلى محمد بن علي الشعبي وهو‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏‏.‏

هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما فيما تراضيا من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى اله عليه وسلم قضية علي على أهل العراق ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب وقضية معاوية على أهل الشام ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب إنا رضينا أن ننزل عند حكم كتاب الله بيننا حكماً فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته نحي ما أحيا ونميت ما أمات‏.‏

على ذلك تقاضينا وبه تراضينا‏.‏

وإن علياً وشيعته رضوا أن يبعثوا عبد الله بن قيس ناظراً ومحاكماً ورضي معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو بن العاص ناظراً ومحاكماً على أنهم أخذوا عليهما عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه ليتخذان الكتاب إماماً فيما بعثا له لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجدا فيه مسطوراً وما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله الجامعة لا يعتمدان لها خلافاً ولا يتبعان في ذلك لهما هوى ولا يدخلان في شبهة‏.‏

وأخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد وميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه ليس لهما أن ينقضا ذلك ‏"‏ ولا يخالفا ‏"‏ إلى غيره وأنهما آمنان في حكومتهما على دمائمها وأموالهما وأهليهما ما لم يعدوا الحق رضي بذلك راض أو أنكر منكر وأن الأمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل‏.‏

فإن توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته وأصحابه يختارون رجلاً ‏"‏ يألون ‏"‏ عن أهل المعدلة والإقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق والحكم بكتاب الله وسنة رسوله وله مثل شرط صاحبه‏.‏

وإن مات واحد من الأميرين قبل القضاء فليشعته أن يولوا مكانه رجلاً يرضون عدله‏.‏

وقد وقعت ‏"‏ هذه ‏"‏ القضية بيننا و ‏"‏ معها ‏"‏ الأمن والتفاوض ووضع السلاح وعلى الحكمين عهد الله وميثاقه‏:‏ ليحكمان بكتاب الله وسنة نبيه لا يدخلان في شبهة ولا يألون اجتهاداً ولا يعتمدان جورا ولا يتبعان هوى ولا يعدوان ما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فإن لم يفعلا برئت الأمة من حكمهما ولا عهد لهما ولا ذمة‏.‏

وقد وجبت القضية على ما سمينا في هذا الكتاب من موقع الشرط على الأميرين والحكمين والفريقين والله أقرب شهيداً وأدنى حفيظاً والناس آمنون على أنفسهم وأهلهم وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل والسلاح موضوع والسبيل مخلى والشاهد والغائب من الفريقين سواء في الأمر‏.‏

وللحكمين أن ينزلا منزلاً عدلاً بين أهل العراق وأهل الشام ولا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملإ منهما وتراض‏.‏

وأجل القاضيين المسلمون إلى رمضان‏:‏ فإن رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها وإن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى انقضاء الموسم فإن ذلك إليهما‏.‏

فإن هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول في الحرب ولا شرط بين واحد من الفريقين‏.‏

وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام على ما في هذا الكتاب‏.‏

وهم يد على من أراد في هذا الكتاب إلحاداً أو ظلماً أو أراد له نقضاً‏.‏

شهد على ما في هذا الكتاب من أصحاب عليك الأشعث بن قيس ‏"‏ الكندي ‏"‏ وعبد الله بن عباس والأشتر بن الحارث وسعيد بن قيس الهمداني والحصين والطفيل ابنا الحارث بن المطلب وأبو أسيد بن ربيعة الأنصاري وخباب بن الأرت وسهل بن حنيف الأنصاري وأبو اليسر بن عمرو الأنصاري ورفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري وعوف بن الحارث بن المطلب القرشي وبريدة الأسلمي وعقبة بن عامر الجهني ورافع بن خديج الأنصاري وعمرو بن الحمق الخزاعي والحسن والحسين ابنا علي وعبد الله بن جعفر الهاشمي واليعمر بن عجلان الأنصاري وحجر بن عدي الكندي وورقاء بن سمي البجلي وعبد الله ابن الطفيل الأنصاري ويزيد بن حجية الدكري ومالك بن كعب الهمداني وربيعة بن شرحبيل وأو صفرة والحارث بن مالك وحجر بن يزيد وعقبة بن حجية‏.‏

ومن أصحاب معاوية‏:‏ حبيب بن مسلمة الفهمي و ‏"‏ أبو ‏"‏ الأعور السلمي وبسر بن ارطاة القريشي ومعاوية بن حديج الكندي والمخارق بن الحارث الحميري وزميل بن عمرو السكسكي وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي وحمزة بن مالك الهمداني وسبع بن زيد الحميري وعبد الله بن عمرو بن العاص وعلقمة بن مرثد الكلبي وخالد بن الحصين السكسكي وعلقمة بن يزيد بن الحر العبسي ومسروق بن حملة العكي ونمير بن يزيد الحميري وعبد الله بن عامر القرشي ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة القرشي وعقبة ابن أبي سفيان ومحمد بن أبي سفيان ومحمد بن عمرو بن العاص ويزيد بن عمرو الجذامي وعمار بن الأخوص الكلبي ومسعدة بن عمر القيني وعاصم بن المستنير الجذامي وعبد الرحمن بن ذي كلاع الحميري والصباح بن جلهمة الحميري وثمامة بن حوشب وعلقمة بن حكيم وحمزة بن مالك ‏"‏ الهمداني ‏"‏‏.‏

وإن بيننا على ما في هذه الصحيفة عهد الله وميثاقه‏.‏

وكتب عمير يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين‏.‏

وأخرج أيضاً بسنده إلى أبي إسحاق الشيباني أن عقد الصلح كان عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء عليها خاتمان‏:‏ خاتم في أسفلها وخاتم في أعلاها‏.‏

في خاتم علي ‏"‏ محمد رسول الله ‏"‏ وفي خاتم معاوية ‏"‏ محمد رسول الله ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وذكر روايات أخرى فيها زيادة ونقص زيادة ونقص أضربنا عن ذكرها خوف الإطالة إذ فيما ذكرنا مقنع‏.‏

على أن المؤرخين لم يذكروا من ذلك إلا طرفا يسيراً‏.‏

  الفصل الثاني من الباب الخامس من المقالة التاسعة ما يكتب في الطرة والمتن فيما جرت العادة بكتابته بين الخلفاء وملوك المسلمين على تعاقب الدول

مما يكتب في الطرة والمتن أما الطرة‏:‏ فليعلم أن الذي ينبغي أن يكتب في الطرة هنا‏:‏ ‏"‏ هذا عقد صلح ‏"‏ ويكمل على ما تقدم في الهدنة ولا يكتب فيه‏:‏ ‏"‏ هذه هدنة ‏"‏ لما يسبق إلى الأذهان من أن المراد من الهدنة ما يجري بين المسلمين والكفار‏.‏

وأما المتن فعلى نوعين‏:‏ النوع الأول ما يكون العقد فيه من الجانبين ولم أر فيه للكتاب إلا الاستفتاح بلفظ‏:‏ ‏"‏ هذا ‏"‏ وعليه كتب كتاب القضية بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على ما تقدم ذكره‏.‏

وعلى ذلك استكتب هارون الرشيد ولديه‏:‏ محمداً الأمين وعبد الله المأمون‏:‏ العهدين اللذين عهد فيهما بالخلافة بعده لابنه الأمين وولى خراسان ابنه المأمون ثم عهد بالخلافة من بعد الأمين للمأمون وأشهد فيهما وبعث بهما إلى مكة فعلقا في بطن الكعبة في جملة المعلقات التي كانت تعلق فيها على عادة العرب السابقة‏:‏ من تعليق القصائد ونحوها‏.‏

وبذلك سميت القصائد السبع المشهورة‏:‏ بالمعلقات لتعليقهم إياها في جوف الكعبة‏.‏

أما عهد الأمين فنسخته بعد البسملة - على ما ذكره الأزرقي في أخبار مكة - ما صورته‏:‏ هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين كتبه محمد ابن أمير المؤمنين في صحة من بدنه وعقله وجواز في أمره طائعاً غير مكره‏.‏

إن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد من بعده وجعل لي البيعة في رقاب المسلمين جميعاً وولى أخي عبد الله ابن أمير المؤمنين هارون العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين من بعدي برضا مني وتسليم طائعاً غير مكره وولاه خراسان بثغورها وكورها وجنودها وخراجها وطرازها وبريدها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشرها وعشورها وجميع أعمالها في حياته وبعد وفاته فشرطت لعبد الله ابن أمير المؤمنين علي الوفاء بما جعله له أمير المؤمنين هارون‏:‏ من البيعة والعهد وولاية الخلافة وأمور الخلافة وأمور المسلمين بعدي وتسليم ذلك له وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها وما أقطعه أمير المؤمنين هارون من قطيعة أو جعل له عقدة أو ضيعة من ضياعه وعقده أو ابتاع له من الضياع والعقد وما أعطاه في حياته وصحته‏:‏ من مال أو حلي أو جوهر أو متاع أو كسوة أو رقيق أو منزل أو دواب قليلاً أو كثيراً فهو لعبد الله ابن أمير المؤمنين موفراً عليه مسلماً له‏.‏

وقد عرفت ذلك كله شيئاً فشيئاً باسمه وأصنافه ومواضعه أنا عبد الله ابن هارون أمير المؤمنين‏.‏

فإن اختلفنا في شيء منه فالقول فيه قول عبد الله ابن هارون أمير المؤمنين لا أتبعه بشيء من ذلك ولا آخذه منه ولا أنتقصه صغيرا ولا كبيراً ‏"‏ من ماله ‏"‏ ولا من ولاية خراسان ولا غيرها مما ولاه أمير المؤمنين من الأعمال ولا أعزله عن شيء منها ولا أخلعه ولا أستبدل به غيره ولا أقدم عليه في العهد والخلافة أحداً من الناس جميعاً ولا أدخل عليه مكروهاً في نفسه ولا دمه ولا شعره ولا بشره ولا خاص ولاعام من أموره وولايته ولا أمواله ولا قطائعه ولا عقده ولا أغير عليه شيئاً لسبب من الأسباب ولا آخذه ولا أحداً من عماله وكتابه وولاة أمره - ممن صحبه وأقام معه - بمحاسبة ولا أتتبع شيئاً جرى على يديه وأيديهم في ولاية خراسان وأعمالها وغيرها مما ولاه أمير المؤمنين في حياته وصحته‏:‏ من الجباية والأموال والطراز والبريد والصدقات والعشر والعشور وغير ذلك ولا آمر بذلك أحداً من الناس ولا أرخص فيه لغيري ولا أحدث نفسي فيه بشيء أمضيه عليه ولا ألتمس قطيعة له ولا أنقص شيئاً مما جعله له هارون أمير المؤمنين وأعطاه في حياته وخلافته وسلطانه من جميع ما سميت في كتابي هذا‏.‏

وآخذ له علي وعلى جميع الناس البيعة ولا أرخص لأحد - من جميع الناس كلهم في جميع ما ولاه - في خلعه ولا مخالفته ولا أسمع من أحد من البرية في ذلك قولاً ولا أرضى بذلك في سر ولا علانية ولا أغمض عليه ولا أتغافل عنه ولا أقبل من بر من العباد ولا فاجر ولا صادق ولا كاذب ولا ناصح ولا غاش ولا قريب ولا بعيد ولا أحد من ولد آدم عليه السلام‏:‏ من ذكر ولا أنثى - مشورة ولا حيلة ولا مكيدة في شيء من الأمور‏:‏ سرها وعلانيتها وحقها وباطلها وظاهرها وباطنها ولا سبب من الأسباب أريد بذلك إفساد شيء مما أعطيت عبد الله بن هارون أمير المؤمنين من نفسي وأوجبت له علي وشرطت وسميت في كتابي هذا‏.‏

وإن أراد به من الناس أجمعين سوءاً أو مكروهاً أو أراد خلعه أو محاربته أو الوصول إلى نفسه ودمه أو حرمه أو ماله أو سلطانه أو ولايته‏:‏ جميعاً أو فرادى مسرين أو مظهرين له فإني انصره وأحوطه وأدفع عنهن كما أدفع عن نفسي ومهجتي ودمي وشعري وخالفه و لا أسلمه ‏"‏ و لا أخذله ‏"‏ ولا أتخلى عنه ويكون أمري وأمره في ذلك واحداً ‏"‏ أبداً ‏"‏ ما كنت حياً‏.‏

وإن حدث بأمير المؤمنين هارون حدث الموت وأنا وعبد الله ابن أمير المؤمنين بحضرة أمير المؤمنين أو أحدنا أو كنا غائبين عنه جميعاً‏:‏ مجتمعين كنا أو مفرقين وليس عبد الله بن هارون أمير المؤمنين في ولايته بخراسان ‏"‏ فعلي لعبد الله ابن أمير المؤمنين أن أمضيه إلى خراسان ‏"‏ وأن أسلم له ولايتها بأعمالها كلها وجنودها ولا أعوقه عنها ولا أحبسه قبلي ولا في شيء من البلدان دون خراسان وأعجل إشخاصه إلى خراسان والياً عليها مفرداً بها مفوضاً إليه جميع أعمالها كلها وأشخص معه من ضم إليه أمير المؤمنين‏:‏ من قواده وجنوده وأصحابه وكتابه وعماله ومواليه وخدمه ومن تبعه من صنوف الناس بأهلهم وأموالهم ولا أحبس عنه أحداً ولا أشرك معه في شيء منها أحداً ولا أرسل أميناً ولا كاتباً ولا بنداراً ولا أضرب على يديه في قليل ولا كثير‏.‏

وأعطيت هارون أمير المؤمنين و عبد اللهبن هارون على ما شرطت لهما على نفسي من جميع ما سميت وكتبت في كتاب هذا - عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمة آبائي و ذمم المؤمنين وأشد ما أخذ الله تعالى على النبيين والمرسلين وخلقه أجمعين‏:‏ من عهود ومواثيق والأيمان المؤكدة التي أمر الله عز وجل بالوفاء بها ونهى عن نقضها وتبديلها‏.‏

فإن نقضت شيئاً مما شرطت لهارون أمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين وسميت في كتابي هذا أو حدثت نفسي أو أن أنقص شيئاً مما أنا عليه أو غيرت أو بدلت أو حلت أو غدرت أو قبلت ‏"‏ ذلك ‏"‏ من أحد من الناس‏:‏ صغيراً أو كبيراً برا أو فاجرا ذكراً أو أنثى وجماعة أو فرادى - فبرئت من الله عز وجل ومن ولايته ومن دينه ومن محمد صلى الله عليه وسلم ولقيت الله عز وجل يوم القيامة كافراً مشركاً وكل امرأة هي اليوم لي أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثاً البتة طلاق الحرج وعلي المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجة‏:‏ نذراً واجباً لله تعالى في عنقي حافياً راجلاً لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك وكل مال هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدي بالغ الكعبة الحرام وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله عز وجل‏.‏

وكل ما جعلت لأمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين وكتبته وشرطه لهما وحلفت عليه وسميت في كتابي هذا لازم لي الوفاء به ولا أضمر غيره ولا أنوي إلا إياه فإن أضمرت أو نويت غيره فهذه العقود والمواثيق والأيمان كلها لازمة واجبة عليّ وقواد أمير المؤمنين وجنوده وأهل الآفاق والأمصار في حل من خلعي وإخراجي من ولايتي عليهم حتى أكون سوقة من السوق وكرجل من عرض المسلمين لا حق لي عليهم ولا ولاية ولا تبعة لي قبلهم ولا بيعة لي في أعناقهم وهم في حل من الأيمان التي أعطوني براء من تبعتها ووزرها في الدنيا والآخرة‏.‏

شهد سليمان ابن أمير المؤمنين المنصور وعيسى بن جعفر وجعفر بن جعفر وعبد الله بن المهدي وجعفر بن موسى أمير المؤمنين وإسحاق بن موسى أمير المؤمنين وإسحاق بن عيسى بن علي وأحمد بن إسماعيل بن علي وسليمان بن جعفر بن سلميان وعيسى بن صالح بن علي ودواد بن عيسى بن موسى ويحيى بن عيسى بن موسى وداود بن سليمان ابن جعفر وخزيمة بن حازم وهرثمة بن أعين ويحيى بن خالد والفضل بن يحيى جعفر بن يحيى والفضل بن الربيع مولى أمير المؤمنين والقاسم بن الربيع مولى أمير المؤمنين ودماثة بن عبد العزيز العبسي وسليمان بن عبد الله بن الأصم والربيع بن عبد الله الحارثي وعبد الرحمن بن أبي الشمر الغساني ومحمد بن عبد الرحمن قاضي مكة وعبد الكريم بن شعيب الحجبي وإبراهيم بن عبد الله الحجبي وعبد الله بن شعيب الحجبي ومحمد بن عبد الله بن عثمان الحجبي وإبراهيم بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبي وعبد الواحد بن عبد الله الحجبي وإسماعيل بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبي وأبان مولى أمير المؤمنين ومحمد بن منصور وإسماعيل بن صبيح والحارث مولى أمير المؤمنين وخالد مولى أمير المؤمنين‏.‏

وكتب في ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة‏:‏ وأما ما كتبه المأمون فنصه بعد البسملة‏:‏ هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين كتبه له عبد الله بن هارون أمير المؤمنين في صحة من عقله وجواز من أمره وصدق نية فيما كتب من كتابه ومعرفة ما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته ولجماعة المسلمين‏.‏

إن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين في سلطانه بعد أخي محمد بن هارون أمير المؤمنين وولاني في حياته وبعده خراسان وكورها وجميع أعمالها‏:‏ من الصدقات والعشر والبريد والطراز وغير ذلك واشترط لي على محمد ابن أمير المؤمنين الوفاء بما عقد لي من الخلافة والولاية للعباد والبلاد بعده ‏"‏ وولاية ‏"‏ خراسان وجميع أعمالها ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين أو ابتاع لي من الضياع والعقد والدور والرباع أو ابتعت منه ‏"‏ لنفسي ‏"‏ من ذلك وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من الأموال والجوهر والكسا والمتاع والدواب ‏"‏ والرقيق وغير ذلك ولا يعرض لي ولا لأحد من عمالي وكتابي بسبب محاسبة ‏"‏ ولا يتتبع لي في ذلك لأحد منهم أثرا ولا يدخل عليّ ولا على أحد ممن كان معي ومني ولا عمالي ولا كتابي ومن استعنت به من جميع الناس - مكروهاً‏:‏ في دم ولا نفس ولا شعر ولا بشر ولا مال ولا صغير ولا كبير ‏"‏ من الأمور ‏"‏ فأجابه إلى ذلك وأقر به وكتب له به كتاباً كتبه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين ‏"‏ هارون وقبله وعرف صدق نيته فيه فشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين ‏"‏ وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد ابن أمير المؤمنين وأطيعه ولا أعصيه وأنصحه ولا أغشه وأوفي ببيعته وولايته ولا أغدر ولا أنكث وأنفذ كتبه وأموره وأحسن مؤازرته و مكانفته وأجاهد عدوه في ناحيتي بأحسن جهاد ما وفى لي بما شرط لي ولعبد الله هارون أمير المؤمنين وسماه في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين ورضي به أمير المؤمنين ولم ينقص شيئاً من ذلك ولم ينقض أمراً من الأمور التي اشترطها لي عليه هارون أمير المؤمنين‏.‏

وإن احتاج محمد بن هارون أمير المؤمنين إلى جند وكتب إلي يأمرني بإشخاصهم إليه أو إلى ناحية من النواحي أو إلى عدو من أعدائه خالفه أو أراد نقص شيء من سلطانه و سلطاني الذي أسنده هارون أمير المؤمنين إلينا و ولاناه - ‏"‏ فعلي ‏"‏ أن أنفذ أمره ولا أخالفه ولا أقصر في شيء كتب به إلي‏.‏

وإن أراد محمد بن أمير المؤمنين هارون أن يولي رجلاً من ولده العهد والخلافة من بعدي فذلك له ما وفى لي بما جعل لي أمير المؤمنين هارون واشترط لي عليه وشرطه على نفسه في أمري وعلي إنفاذ ذلك والوفاء له بذلك ولا أنقض ذلك ولا أغيره ولا أبدله ولا أقدم ‏"‏ قبله ‏"‏ أحداً من ولدي ولا قريباً ولا بعيداً من الناس أجمعين إلا أن يولي هارون أمير المؤمنين أحداً من ولده العهد من بعدي فيلزمني ‏"‏ ومحمداً ‏"‏ الوفاء بذلك‏.‏

وجعلت لأمير المؤمنين ومحمد بن أمير المؤمنين علي الوفاء بما اشترطت وسميت في كتابي هذا ما وفى لي محمد ابن أمير المؤمنين هارون بجميع ما اشترط لي هارون أمير المؤمنين عليه في نفسي وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من جميع الأشياء المسماة في الكتاب الذي كتبه له ‏"‏ وعلي ‏"‏ عهد الله تعالى وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمة آبائي وذمم المؤمنين وأشد ما أخذ الله عز وجل على النبيين والمرسلين من خلقه أجمعين من عهوده ومواثيقه والأيمان المؤكدة التي أمر الله عز وجل بالوفاء بها ‏"‏ ونهى عن نقضها وتبديلها ‏"‏ فإن أنا نقضت شيئاً مما اشترط وسميت في كتابي هذا له أو غيرت أو بدلت أو نكثت أو غدرت - فبرئت من الله عز وجل ومن ولايته ومن دينه ومن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقيت الله سبحانه وتعالى يوم القيامة كافراً مشركاً وكل امرأة لي اليوم أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثاً البتة ‏"‏ طلاق ‏"‏ الحرج وكل مملوك لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله تعالى وعلي المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين حجة نذراً واجباً علي وفي عنقي حافياً راجلاً لا يقبل الله مني إلا الوفاء به وكل مال هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدي بالغ الكعبة وكل ما جعلت لعبد الله هارون أمير المؤمنين أو شرطت في كتابي هذا لازم لي لا أضمر غيره ولا أنوي سواه‏.‏

شهد فلان وفلان بأسماء الشهود المقدم ذكرهم في كتاب الأمين المبتدإ بذكره‏.‏

قال الأزرقي‏:‏ ولم يزل هذان الشرطان معلقين في جوف الكعبة حتى مات هارون الرشيد وبعدما مات بسنتين في خلافة الأمين ‏"‏ كلم ‏"‏ الفضل بن الربيع محمد بن عبد الله الحجبي في إيتانه بهما فنزعهما من الكعبة وذهب بهما إلى بغداد فأخذهما الفضل فخرقهما وحرقهما بالنار‏.‏

قلت‏:‏ وعلى نحو من ذلك كتب أبو إسحاق الصابي مواصفة بالصلح بين شرف الدولة وزين الملة أبيس وصمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار ابني عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه في النصف من صفر سنة ست و سبعين وثلاثمائة‏.‏

ونصها بعد البسملة الشريفة‏:‏ هذا ما اتفق واصطلح وتعاهد وتعاقد عليه شرف الدولة وزين الملة أبو الفوارس وصمصام الدولة أبو كاليجار ابنا عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي علي موليا أمير المؤمنين الطائع لله - أطال الله بقاءه وأدام عزه وتأييده ونصره وعلوه وإذنه‏.‏

اتفقا وتصالحا وعاهدا وتعاقدا على تقوى الله تعالى وإيثار طاعته والاعتصام بحبله وقوته والالتجاء إلى حسن توفيقه ومعونته والإقرار بانفراده ووحدانيته لا شريك له ولا مثل ولا ضد ولا ند والصلاة على محمد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً والطاعة لأمير المؤمنين الطائع لله والالتزام بوثائق بيعته وعلائق دعوته والتوازر على موالاة وليه ومعاداة عدوه وعلى أن يمسكا ‏"‏ ذات ‏"‏ بينهما بالسير الحميدة والسنن الرشيدة التي سنها لهما السلف الصالح من آبائهما وأجدادهما في التآلف والتوازر والتعاضد والتظافر وتعظيم الأصغر للأكبر وإشبال الأكبر على الأصغر والاشتراك في النعم والتقاوض في الحظوظ والقسم والاتحاد بخلوص الطوايا والخفايا وسلامة الخواطر وطهارة الضمائر ورفع ما خالف ذلك من أسباب المنافسة وجرائر المضاغنة وجوالب النبوة ودواعي الفرقة والإقران لأعداء الدولة والإرصاد لهم والاجتماع على دفع كل ناجم وقمع كل مقاوم وإرغام أنف كل ضار متجبر وإضراع خد كل متطاول مستكبر حتى يكون الموالي لأحدهم منصورا ًمن جماعتهم والمعادي له مقصوداً من سائر جوانبهم فلا يجد المنابذ على أحدهم مفزعاً عند أحد من الباقين ولا اعتصاماً له ولا التجاء إليه لكن يكون مرمياً بجميع سهامهم ومضروباً بأسياف نقمتهم ومأخوذاً بكلية بأسهم وقوتهم ومقصوداً بغالب نجدتهم وشدتهم إذ كانت هذه الآداب القويمة والطرائق السليمة جارية للدول مجرى الجنن الدافعة عنها والمعاقل المانعة لها وبمثلها تطمئن النعم وتسكن كما أن بأضدادها تشمئز وتنفر‏.‏

ولما وافق الله تعالى شرف الدولة وزين الملة أبو الفوارس وصمصام الدولة وشمس الملة أبا كاليجار اعتقاد هذه الفضائل وإيثارها والتضاهر بها واستشعارها ودعاهما الطائع لله أمير المؤمنين إلى ما دعاهما إليه كاليجار بمراسلة شرف الدولةأبي الفوارس في إحكام معاقد الأخوة وإبرام وثائق الألفة - امتثل ذلك وأصغى إليه شرف الدولة وزين الملة أبو الفوارس‏:‏ أصغى إليه شرف الدولة إصغاء المستوثق المستصيب وتقبله تقبل العالم اللبيب وأنفذ إلى باب أمير المؤمنين رسوله أبا نصر ‏"‏ خرشيد بن ديار بن مأفنة ‏"‏ بالمعروف من كفايته والمشهور من اصطناع الملك السعيد عضد الدولة وتاج الملة رضوان الله عليه له وإيداعه وإياه وديعة الإحسان التي يحق عليه أن يساوي في حفظها بين الجهتين ويوازي في رعايتها بين كلا الفريقين‏.‏

فجرت بين صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار وبينه مخاطبات استقرت على أمور أتت المفاوضة عليها وأثبت منها في هذه المواصفة ما احتيج إلى إثباته منها ‏"‏ أمر ‏"‏ عام للفريقين وقسمان يختص كل واحد منهما بواحد منهما‏.‏

فأما الأمر الذي يجمعهما عمومه ويكتنفهما شموله فهو‏:‏ أن يتخالص شرف الدولة وزين الملة أبو الفوارس وصمصام الدولة وشمس الملة أبو كاليجار في ذات بينهما ويتصافيا في سرائر قلوبهما ويرفضا ما كان جره عليهما سفهاء الأتباع‏:‏ من ترك التواصل واستعمال التقاطع ويرجعا عن وحشة الفرقة إلى أنس الألفة وعن منقصة التنافر والتهاجر إلى منقبة التبار والتلاطف فيكون كل واحد منهما مريداً لصاحبه من الصلاح مثل الذي يريده لنفسه ومعتقداً في الذب عن بلاده وحدوده مثل الذي يعتقده في الذب عما يختص به ومسرا مثل ما يظهره‏:‏ من موالاة وليه ومعاداة عدوه والمراماة لمن راماه والمصافاة لمن صافاه فإن نجم على أحدهما ناجم أو راغمه مراغم أو هم به حاسد أو دلف إليه معاند اتفقا جميعاً على مقارعته‏:‏ قريباً كان أو بعيداً وترافدا على مدافعته‏:‏ دانيا كان أو قاصياً وسمح كل منهما لصاحبه عند الحاجة إلى المواساة في ذلك في سائر أحداث الزمان ونوبه وتصاريفه وغيره بما يتسع ويشتمل عليه طوقه من مال وعدة ورجال ونجدة واجتهاد وقدرة لا يغفل أخٌ منهما عن أخيه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يترك نصرته ولا ينصرف عن مؤازرته ومظاهرته بحال من الأحوال التي تستحيل بها النيات‏:‏ من إرغاب مرغب وحيلة محتال ومحاولة محاول ولا يقبل أحدهما مستأمناً إليه من جهة صاحبه‏:‏ من جندي ولا عامل ولا كاتب ولا صاحب ولا متصرف في وجه من وجوه التصرفات كلها ولا يجير عليه هارباً ولا يعصم منه موارباً ولا يتطرف له حسداً ولا يتحيفه حقاً ولا يهتك له حريماً ولا يتناول منه طوفاً ولا يخيف له سبيلاً ولا يتسبب إلى ذلك بسبب باطن ولا باعتلال ظاهر ولا يدع موافقته وملاءمته ومعاونته ومظافرته في كل قول وفعل وسر وجهر على سائر الجهات وتصرف الحالات ووجوه التأويلات‏.‏

يلتزم كل واحد منهما ذلك لصاحبه التزاماً على التمائل والتعادل والتوازي والتقابل‏.‏

وأما الأمر الذي يختص شرف الدولة و زين الملة به ويلتزمه صمصام الدولة وشمس الملة له فهو أن يقدمه صمصام الدولة وشمس الملة على نفسه ويعطيه ما أعطاه الله له من فضل سنه ويطيعه في كل ما أفاد الدولة الجامعة لهما صلاحاً وهاض من عدوهما جناحاً وعاد على وليهما بعز وعلى عدوهما بذل وأن يقيم صمصام الدولة الدعوة على منابر ما في يده من مدينة السلام وسائر البلدان والأمصار التي أحاطت بهما حقوقه وضربت عليهما حدوده لأمير المؤمنين ثم لشرف الدولة وزين الملة أبي الفوارس ثم لنفسه ويجري الأمر في نقش سكك دور الضرب التي يطبع بها الدينار والدرهم في جميع هذه البلاد على المثال ويوفي صمصام الدولة وشمس الملة كاليجار شرف الدولة وزين الملة أبا الفوارس في المكاتبات والمخاطبات حق التعظيم وشعار التفخيم على التقرير بينه وبين خرشيد بن ديار بن مأفنة في ذلك‏.‏

وأما الأمر الذي يختص صمصام الدولة وشمس الملة أبو كاليجار به ويلتزمه شرف الدولة وزين الملة أبو الفوارس له فهو ترك التعرض لسائر ممالكه وما يتصل بها من حدودها الجارية معها والإفراج منها عما يؤده ويسرع إليه أصحاب شرف الدولة وزين الملة وتجنب التخيف لها أو لشيء من الحقوق الواجبة فيها ومراعاته في الأمور التي يحتاج فيها إلى نظره وطوله وإجماله وفضله وما يجب على الأخ الأكبر مراعاة أخيه وتاليه فيه مما ثبتت في هذه المواصفة جملته اتفق شرف الدولة وزين الملة أبو الفوارس وصمصام الدولة وشمس الملة أبو كاليجار بأمر أمير المؤمنين الطائع لله وعلى الاختيار منهما والانشراح من صدورهما من غير إكراه ولا إجبار ولا اصطبار ولا اضطرار - على الرضا بذلك كله والالتزام له ويصير جمعيه عهداً مرجوعاً إليه وعقداً معمولاً عليه وحلف كل منهما على ما يلتزمه من ذلك يميناً عقدها بأن يحلف صاحبها بمثلها على ما يلتزمه منه‏.‏

فقال صمصام الدولة‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو ‏"‏ ويستتم اليمين ‏"‏‏.‏

النوع الثاني مما يجري عقد الصلح فيه بين ملكين مسلمين ما يكون العقد فيه من جانب واحد وللكتاب فيه مذهبان‏:‏ المذهب الأول أن يفتتح عقد الصلح بلفظ هذا كما في النوع السابق وهذه نسخة عقد صلح من ذلك كتب بها أبو إسحاق الصابي بين الوزير أبي نصر سابور بن أزدشير والشريفين‏:‏ أبي أحمد الحسين بن موسى وأبي الحسن محمد ابنه الرضي بما انعقد من الصلح والصهر بين الوزير المذكور وبين النقيب أبي أحمد الحسين وولده محمد حين تزوج ابنه محمد المذكور بنت سابور المذكور وجعله على نسختين لكل جانب نسخة بعد البسملة ما صورته‏:‏ هذا كتاب لسابور بن أزدشير كتبه له الحسين بن موسى الموسوري وولده محمد بن الحسين الموسوري‏.‏

إنا وإياك - عندما وصله الله بيننا من الصهر والخلطة ووشجه من الحال والمودة - آثرنا أن ينعقد بيننا وبينك ميثاق مؤكد وعهد مجدد تسكن النفوس إليهما وتطمئن القلوب معهما وتزداد الألفة بهما على مرّ الأيام وتعاقب الأعوام ويكون ذلك أصلاً مستقراً نرجع جميعاً إليه ونعول ونعتمد عليه وتتوارثه أعقابنا وتتبعنا فيه أخلاقنا‏.‏

فأعطيناك عهد الله وميثاقه وما أخذه على أنبيائه المرسلين وملائكته المقربين صلى الله عليهم أجمعين عن صدور منشرحة وأمال في الصلاح منفسخة - أنا نخلص لك جميعاً وكل واحد منا إخلاصاً صحيحاً يشاكل ظاهره باطنه ويوافق خافيه عالنه وأنا نوالي أولياءك ونعادي أعداءك ونصل من وصلك ونقطع من قطعك ونكون معك في نوائب الزمان وشدائده وفي فوائده وعوائده وضمنا لك ضماناً شهد الله بلزومه لنا ووجوبه علينا وأنا نصون الكريمة علينا الأثيرة عندنا فلانة بنت فلان - أدام الله عزها - المنتقلة إلينا كما تصان العيون بجفونها والقلوب بشغافها ونجريها مجرى كرائه حرمنا ونفائس بناتنا ومن تضمه منازلنا وأوطاننا ونتناهى في إجلالها وإعظامها والتوسعة عليها في مراغد عيشها وعوارض أوطارها وسائر مؤنها ومؤن أسبابها والنهوض والوفاء بالحق الذي أوجبه الله علينا لها ولك فيها فلا نعدم شيئاً ألفته‏:‏ من إشبال غليها وإحسان إليها وذب عنها ومحاماة دونها وتعهد لمسارها وتوخ لمحابها ونكون جميعاً وكل واحد منا مقيمين لك ولها على جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب في حياتك - أطالها الله - وبعد الوفاة إن تقدمنا وحوشيت من السوء في أمورك كلها وأحوالك أجمعها‏.‏

ثم إنا نقول - وكل واحد منا طائعين مختارين غير مكرهين ولا مجبرين بعد تمام هذا العقد بيننا وبينك ولزومه لنا ولك‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك الضار النافع المطلع على السرائر المحيط بما في الضمائر الذي يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور وحق محمد النبي وعلي الرضي - صلى الله عليهما وسلم وشرف ذكرهما وسادتنا الأئمة الطيبين الطاهرين رحمة الله عليهم أجمعين وحق القرآن العظيم وما أنزل فيه من تحليل وتحريم ووعد ووعيد وترغيب وترهيب لنفين لك يا سابور بن أزدشير والكريمة الأثيرة ابنتك فلانة - أحسن الله رعايتها - بجميع ما تضمنه هذا الكتاب وفاءً صحيحاً ولنلتزمن لك ولها شرائطه ووثائقه فلا نفسخها ولا ننقضها ولا نتبعها ولا نتعقبها ولا نتأول فيها ولا نزول عنها ولا نلتمس مخرجاً ولا مخلصاً منها حتى يجمعنا الموقف بين يدي الله والمقدم على رحمة الله ونحن يومئذ ثابتان عليها ومؤديان للأمانة فيها أداء يشهد الله تعالى به وملائكته يوم يقوم الأشهاد ويحاسب العباد فإن نحن أخللنا بذلك أو بشيء منه أو تأولنا فيه أو في شيء منه أو أضمرنا خلاف ما نظهر أو أسررنا ضد ما نعلن أو التمسنا طريقاً إلى نقضه أو سبيلاً إلى فسخه أو ألممنا بإخفار ذمة من ذممه أو انتهاك حرمة من حرمه أو حل عصمة من عصمه أو إبطال شرط من شروطه أو تجاوز حد من حدوده - فالذي يفعل ذلك منا يوم يفعله أو يعتقده وحين يدخل فيه ويستجيزه - بريء من الله جل ثناؤه ومن نبوة رسوله محمد ومن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليهما وسلم ومن القرآن الحكيم العظيم ومن دين الله الصحيح القويم ولقي الله يوم العرض عليه والوقوف بين يديه وهو به - سبحانه - مشرك ولرسوله صلى الله عليه وسلم مخالف ولأهل بيته معادٍ ولأعدائهم موالٍ وعليه الحج إلى بيت الله الحرام العتيق الذي بمكة‏:‏ راجلاً حافياً حاسراً وإياؤه عواتق ونساؤه طوالق طلاق الحرج والسنة لا رجعة فيه ولا مثنوية وأمواله - على اختلاف أصنافها - محرمة عليه وخارجة عن يديه وحبيسة في سبيل الله وبرأه الله من حوله وقوته وألجأه إلى حوله وقوته‏.‏

وهذه اليمين لازمة لنا وقد أطلق كل واحد منا بها لسانه وعقد عليها ضميره والنية في جميعها نية فلان لا يقبل الله من كل واحد منا إلا الوفاء بها والثبات عليها والالتزام بشروطها والوقوف على حدودها وكفى بالله شهيداً وجازياً لعباده ومثيباً‏.‏

وذلك في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا‏.‏

المذهب الثاني افتتاح عقد الصلح بالحمد لله أن تفتتح عقد الصلح بخطبة مفتتحة ب ‏"‏ الحمد لله وربما كرر فيها التحميد إعلاماً بعظيم موقع النعمة وهذه نسخة عقد صلح كتب بها أبو الحسين أحمد بن سعد عن بعض الأمراء لمن كان‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ونصها على ما ذكره في ‏"‏ كتاب البلاغة ‏"‏ في الترسل بعد البسملة‏:‏ الحمد لله الذي خلق العباد بقدرته وكون الأمور بحكمته وصرفها على إرادته‏.‏

لم يلطف عنه خفي ولا امتنع عنه قوي ابتدع الخلائق على اختلاف فطرها وتباين صورها من غير مثال احتذاه ولا رسم اقتفاه وأيديهم بنعمته فيما ركبه فيهم من الأدوات الدالة على ربوبيته الناطقة بوحدانيته واكتفوا بالمعرفة به - جل جلاله - بخبر العقول وشهادة الأفهام ثم استظهر لهم في التبصرة وغلبهم في الحجة برسل أرسلها وآيات بينها ومعالم أوضحها ومنارات لمسالك الحق رفعها وشرع لهم الإسلام ديناً وارتضاه واصطفاه وفضله واجتباه وشرفه وأعلاه وجعله مهيمناً على الدين كله وقدر العز لحزبه وأهله فقال جل جلاله‏:‏ ‏"‏ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ‏"‏ وأيده بأنبيائه الداعين إليه والناهجين لطرقه والهادين لفرائضه والمخبرين عن شرائعه قرناً بعد قرن وأمة بعد أمة وفترة بعد فترة وبينة بعد بينة حتى انتهى تقديره - جل جلاله - أن بعث النبي الأمي الفاضل الزكي الذي قفى به على الرسل ونسخ بشريعته شرائع الملل وبدينه أديان الأمم على حين تراخي فترة وترامي حيرة فأباخ به نيران الفتن بعد اضطرامها وأضاء به سبل الرشاد بعد إظلامها على علم منه - تعالى ذكره - بما وجده عنده من النهوض بأعباء الرسالة والقيام بأداء الأمانة فأزاح بذلك العلة وقطع المعذرة ولم يبق للشاك موضع شبهة ولا لمعاند دعوة مموهة حتى مضى حميداً تشهد له آثاره وتقوم بتأييد سنته أخباره قد خلف في أمته ما أصارهم به إلى عطف الله ورحمته والنجاة من عقابه وسخطه إلا من شقي بسوء اختياره وحرم الرشاد بخذلاته صلى الله عليه وعلى آله الطيبين أفضل صلاة وأتمها وأوفاها وأعمها‏.‏

والحمد لله الذي خص سيدنا الأمير بالتوفيق وتوحده بالإرشاد والتسديد في جميع أنحائه ومواقع آرائه وجعل همته ‏"‏ إذ كانت الهمم منصرفة إلى هشيم الدنيا وزخارفها التي يتحلى بها الأنبياء وتدعوها إلى نفسها ‏"‏ مقصورة على ما يجمع له رضا ربه وسلامة دينه واستقامة أمور مملكته وصلاح أحوال رعيته وأيده في هذه الحال المعارضة والشبهة الواقعة التي تحار في مثلها الآراء وتضطرب الأهواء وتتنازع خواطر النفوس وتفتلح وساوس الصدور ويخفى موقع الصواب ويشكل منهج الصلاح - بما اختار له من السلم والموادعة والصلح والموافق الذي أخبر الله تعالى في كتابه على فضله والخير الذي في ضمنه بقوله جل وعز‏:‏ ‏"‏ الصلح خير ‏"‏ وقوله جل ذكره‏:‏ ‏"‏ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ‏"‏ حتى أصبح السيف مغموداً ورواق الأمن ممدوداً والأهواء متفقة والقلوب مؤتلفة والكلمة مجتمعة ونيران الفتن والضلالة خامدة وظنون بغاتها والساعين لها كاذبة وطبقات الأولياء والرعية - بما أعيد إليهم من الأمنة تعقب الخيفة والأنسة من بعد الوحشة - مستبشرة وإلى الله عز وجل - في إطالة بقاء الأمير وإدامة دولته وحراسة نعمته وتثبيت وطأته - راغبينن وفي مسالمته مخلصين‏.‏

ولو لم يكن السلم في كتاب الله مأموراً به والصلح مخبراً عن الخير الذي فيه لكان فيما ينتظم به‏:‏ من حقن الدماء وسكون الدهماء ويجمع من الخلال المحمودة والفضائل الممدودة المقدم ذكرها - ما حدا عليه ومثل للعقول السليمة والآراء الصحيحة موضع الخير فيه وحسن العائدة على الخاص والعام به فيما يتجلى للعيون من مشتبهات الظنون إذ الدين واقع والشك جانح بين المحق والمبطل والجائز والمقسط وقد قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏"‏ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ‏"‏ ناظراً للمسلمين من معرة أو مضرة تلحق بعضهم بغير علم ومؤثراً تطهيرهم من ظن العدوان مع رفعه عنهم فرطات النسيان وكافاً أيدي المسلمين عن المشركين كما كف أيديهم عن المسلمين تحننا على بريته وإبقاءعلى أهل معصية إلى أن يتم لهم الميقات الذي أدناه والأمر الذي أمضاه وموقع الحمد في عاقبته والسلامة في خاتمته وبلغهم من غاية البقاء أمدها ومن مرافق العيش أرغدها مقصورة أيدي النوائب عما خوله ومعصومة أعين الحوادث عما نوله إنه جوادٌ ماجدٌ‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذا الذهب كتب عقد الصلح بين السلطان الملك الناصر أبي السعادات ‏"‏ فرج ‏"‏ بن السلطان الملك الظاهر ‏"‏ برقوق ‏"‏ وبين المقام الشريف القطبي تيمور كوركان صاحب ما وراء النهر بعد طروقه الشام وفتحه دمشق وتحريقها وتخزينها وإرسال كتابه في معنى طلب الصلح وإرسال الأمير أطلمش لزمه المأسور في الدولة الظاهرية ‏"‏ برقوق ‏"‏ صحبة الخواجا نظام الدين مسعود الكججاني‏.‏

جهز ذلك إليه قرين كتاب من الأبواب السلطانية صحبة الخواجا مسعود المذكور والأمير شهاب الدين بن أغلبك والأمير قانبيه في جمادى الأولى سنة خمس وثمانمائة بإشارة المقر الفتحي صاحب ديوان الإنشاء الشريف من إنشاء الشيخ زين الدين طاهر ابن الشيخ بدر الدين حبيب الحلبي أحد كتاب الدست الشريف بالأبواب السلطانية وهو مكتوب في قطع‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

بقلم‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

وفي طرته ما صورته‏:‏ ‏"‏ مرقوم شريف جليل عظيم مبجل مكرم جميل نظيم مشتمل على عقد صلح افتتحه المقام الشريف العالي القطبي نصرة الدين تيمور كوركان زيدت عظمته يكون بينه وبين المقلم الشريف السلطان المالك الملك الناصر أبي السعادات ‏"‏ فرج ‏"‏ بن السلطان الشهيد الملك الظاهر أبي سعيد ‏"‏ برقوق ‏"‏ خادم الحرمين الشريفين خلد الله تعالى ملكه انعقد بمباشرة السفير عن المقام الشريف القطبي المشار إليه ووكيله في ذلك الخواجا نظام الدين مسعود الكججاني بشهادة منحضر صحبته من العدول بالتوكيل المذكور على حكم إشارة مرسله إليه ومضمون مكاتبته وقصده تجهيز الأمير أطلمش لزمه وحلف المقام القطبي على الموافاة والمصافاة واتحاد والبياض ثلاثة أوصال بوصل الطرة والبسملة في أول الوصل الرابع بهامش عن يمينها وتحت البسملة سطر ثم بيت العلامة‏.‏

والعلامة بجليل الثلث بالذهب ما صورته‏:‏ ‏"‏ الله أملي ‏"‏‏.‏

ونسخة المكتوب بعد البسملة ما صورته‏:‏ الحمد لله الذي جعل الصلح خير ما انعقدت عليه المصالح والإصلاح بين الناس أولى ما اتصلت به أسباب المناجح ةأحق ما نطقت به ألسن المحامد وأثنت عليه أفواه المدائح‏.‏

نحمده على نعمه التي جمعت أشتات القلوب الطوائح وأضافت إلى ضياء الشمس نور القمر فاهتدى بهما كل غادٍ ورائح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغ قائلها أهنى المنائح وتتعطر مجالس الذكر بعرف روائحها الروائح ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من آخى بين المتحاكمين فنصح لله ولاأى الصلح من أعظم النصائح وأكمل رسول انقادت لأخلاقه الرضية وصفاته المرضية جوانح النفوس الجوانح وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى ما اجتمعت عليه آراء أولي الألباب وركنت إليه قلوب ذوي المعرفة من أهل المودة والأحباب - ائتلاف القلوب بعد اختلافها واتصافها بالتلبس بأحسن أوصافها والعمل على الصلح الذي هو أصلح للناس وأربح متاجر الدنيا والأخرة وأدفع لليأس والبأس إذ هو مفتاح أبواب الخيرات الشاملة ومصباح مناهج الفكر الصحيحة الكاملة والداعي إلى كل فعل جميل والساعي بكل قول هو شفاء صدى الغليل ونجاة من داء العليل‏.‏

ولما كان المقام الشريف العالي الكبيري العالمي العاملي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالدي القطبي نصرة الدين ملجأ القاصدين وملاذ العابدين قطب الإسلام والمسلمين تيمور كوركان زيدت عظمته - هو الباديء بإحياء هذه السنة الحسنة والحادي إلى العمل بمقتضى مفاوضته الشريفة التي هي لذلك متضمنة الواردة إلى حضرة عبد الله ووليه السلطان المالك الملك الناصر زين الدنيا والدين أبي السعادات ‏"‏ فرج ‏"‏ بن السلطان الشهيد الملك الظاهر أبي سعيد ‏"‏ برقوق ‏"‏ خادم الحرمين الشريفين - خلد الله تعالى ملكه - على يد سفير حضرته المجلس السامي الشيخي النظامي مسعود الكججاني المؤرخة بمستهل شهر ربيع الأول سنة تاريخه‏.‏

وجل مضمونها وسر مكنونها - قصد إيقاع الصلح الشريف بين المشار إليهما ونسج المودة والمحبة والمصادقة بينهما وإسبال رداء محاسنها عليهما بمقتضى تفويض المقام الشريف القطبي المشار إليه الأمر في الصلح المذكور إلى الشيخ نظام الدين مسعود المذكور وتوكيله إياه فيه وإقامته مقام نفسه الشريفة وجعل قوله من قوله وإنه - عظم الله تعالى شأنه - أشهد الله العظيم عليه بذلك وأشهد عليه من يضع خطه من جماعته المجهزين صحبة الشيخ نظام الدين مسعود المذكور وهما‏:‏ الشيخ بدر الدين أحمد بن الشيخ الإمام العالم شمس الدين محمد بن الجزري الشافعي والصدر الأجل كمال الدين كمال أغا وأن ذلك صدر عن المقام الشريف القطبي المشار إليه لموافقته على الصلح الشريف وإجابة القصد فيه بإطلاق الأمير أطلمش لزم المقام القطبي المشارإليه وتجهيزه إلى حضرته العالية وأنه عاهد الله عز وجل بحضور جم غفير من أمراء دولته وأكابرها ومن حضر مجلسه باليمين الشرعية الجامعة لأشتات الحلف‏:‏ بالله الذي لا إله إلا هو رب البرية وبارئ النسم على ذلك جميعه وعلى أنه لا يدخل إلى البلاد الداخلة في مملكة مولانا السلطان الملك الناصر المشار إليه وأنه مهما عاهد وصالح وعاقد عليه الشيخ نظام الدين مسعود الوكيل المذكور يقضي به المقام القطبي المشار إليه ويمضيه ويرتضيه وانفصل الأمر على ذلك‏.‏

فعندما وقف مولانا السلطان الملك الناصر المشار إليه - خلد الله تعالى ملكه - على المكاتبة الشريفة المشار إليها وتفهم مضمونها ورأى أن المصلحة في الصلح‏:‏ تبركاً بما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - استخار الله عز وجل وأمر بتجهيز الأمير أطلمش المذكور وتسليمه للشيخ نظام الدين مسعود المذكور وأذن لهما في التوجه إلى حضرة المقام الشريف القطبي المشار إليه‏:‏ بموافقة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله - أدام الله تعالى أيامه - على ذلك وحضور الشيخ الإمام الفرد الأوحد شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني - أعاد الله تعالى على المسلمين من بركاته - وقضاة القضاة الحكام - أعز الله تعالى أحكامهم - ومشايخ العلم الشريف والصلاح وأركان الدولة الشريفة ومن يضع خطه في هذا الصلح الشريف بالشهادة بمضمونه‏.‏

وعقد الصلح الشريف بين مولانا السلطان الملك الناصر المشار إليه - خلد الله تعالى ملكه - وبين الشيخ نظام الدين مسعود الوكيل المذكور عن المقام الشريف القطبي المشار إليه - زيدت عظمته - على حكم مضمون مفاوضته الشريفة المقدم ذكرها وما قامت به البينة الشرعية بشهادة العدلين المذكورين الواصلين صحبة الوكيل المذكور بالتوكيل المشروح فيه فكان صلحاً صحيحاً شرعياً تاماً كاملاً معتبراً مرضياً على أحسن الأمور وأجملها وأفضل الأحوال وأكملها‏.‏

وحلف مولانا السلطان الملك الناصر المشار إليه - خلد الله ملكه - وعاهد الله عز وجل نظير ما حلف وعاهد عليه المقام الشريف القطبي المشار إليه من القول والعمل واستقرت بمشيئة الله تعالى الخواطر وسرت القلوب وقرت النواظر لما في ذلك من حفظ ذمام العهود الشريفة وإقامة منار الشرع الشريف وامتداد ظلال أعماله الوريفة وإجراء كلمة الصدق على لسان أهل الحق وصون أمانة الله تعالى وشعار دينه بين الخلق فلا يتغير عقد هذا الصلح الشريف على مدى الليالي والأيام ولا ينقضي حكمه ولا ينحل إبرامه على توالي السنين والأعوام‏.‏

هذا‏:‏ على أن لا يدخل أحد من عساكرهما وجندهما ومماليكهما إلى حدود مملكة الآخر ولا يتعرض إلى ما يتعلق به من ممالك وقلاع وحصون وسواحل وموان وغير ذلك من سائر الأنواع ورعاياهما من جميع الطوائف والأجناس وما هو مختص ببلاد كل منهما ومعروف به بين الناس‏:‏ حاضرها وباديها وقاصيها ودانيها وعامرها وغامرها وباطنها وظاهرها ولا إلى من فيها من الرعية والتجار والمسافرين وسائر الغادين والرائحين في السبل والطرق‏:‏ متفرقين ومجتمعين‏.‏

هذا على أن لا يكون كل من المقامين الشريفين المشار إليهما مع الآخر على أكمل ما يكون في السراء والضراء‏:‏ من حسن الوفاء وجميل المودة والصفاء ويكونا في الاتحاد كالوالد والولد وعلى المبالغة في الامتزاج والاختلاط كروحين في جسد ما يضاف إلى ذلك من مصادقة الأصدقاء ومعاداة الأعداء ومسالمة المسالمين ومحاربة المحاربين في السر والإعلان والظهر والكتمان وبالله التوفيق وهو العالم بما تبدي الأعين وما تخفي الصدور وعليه التكلان في كل

  الباب السادس من المقالة التاسعة في الفسوخ الواردة على العقود السابقة

وفيه فصلان

  الفصل الأول الفسخ وهو ما وقع من أحد الجانبين دون الآخر

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وقل أن يكون فيه إلا ما يبعث به على ألسنة الرسل‏.‏

قال‏:‏ وقد كتب عمي الصاحب شرف الدين ‏"‏ أبو محمد ‏"‏ عبد الوهاب رحمه الله سنة دخول العساكر الإسلامية ملطية سنة أربع عشرة وسبعمائة فسخاً على ‏"‏ التكفور ‏"‏ متملك سيس كان سبباً لأن زاد قطيعته‏.‏

ولم يذكر صورة ما كتبه في ذلك‏.‏

وقد جرت العادة أنه إذا كان الفسخ من الجانب الواحد أن يذكر الكاتب فيه موجب الفسخ الصادر عن المفسوخ عليه‏:‏ من ظهور ما يوجب نقض العهد ونكث العقد وإقامة الحجة على المفسوخ عليه من كل وجه‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ والذي أقول فيه‏:‏ أنه إن كتب فيه كتب بعد البسملة‏:‏ هذا ما استخار الله تعالى فيه فلان استخارة تبين له فيها غدر الغادر وأظهر له بها سير الباطن ما حققه الظاهر فسخ فيها على فلان ما كان بينه وبينه ومن المهادنة التي كان آخر الوقت الفلاني آخر مدتها وطهر السيوف الذكور فيها من الدماء إلى انقضاء عدتها وذلك حين بدا منه من موجبات النقض وحل المعاقدة التي كانت يشد بعضها ببعض ‏"‏ وهي كذا وكذا وتذكر وتعد ‏"‏ مما يوجب كل ذلك إخفار الذمة ونقض العهود المرعية الحرمة وهد قواعد الهدنة وتخلية ما كان قد أمسك من الأعنة كتب إنذاراً وقدم حذاراً وممن يشهد بوجوب هذا الفسخ ودخول ملة تلك الهدنة في حكم هذا النسخ ما تشهد به الأيام ويحكم به عليه النصر المكتتب للإسلام وكتب هذا الفسخ عن فلان لفلان وقد نبذ إليه عهده وأنجز وعده وأنفذ إليه سهمه بعد أن صبر ملياً على ممالاته وأقام مدة يداري مرض وفائه ولا ينجح فيه شيء من مداواته ولينصرن الله من ينصره ويحذر من يأمن مكره من يحذره وأمر فلان بأن يقرأ هذا الكتاب على رؤوس الأشهاد لينقل مضمونه إلى البلاد أنفة من أمر لا يتأدى به